د.منذر الحوارات
في مقابلة خاصة وتاريخية مع قناة فوكس نيوز أدارها المذيع برت باير مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جاءت على شكل مجموعة من المانشيتات العريضة والتي يعتبر كل منها موضوعاً بذاته، ومن أهم ما ركز عليه الأمير علاقته المتينة مع الولايات المتحدة وبايدن بالدرجة الأولى وكأنه أراد أن يثبت للأميركان والعالم بأن من كان يريد الأمير والسعودية منبوذين عاد إليهما مسرعاً لينقذ نفسه، لكن مع أهمية كل ما قاله ولي العهد إلا أن العلاقة مع إسرائيل والتطبيع الوشيك معها يشكل نقطة تحول جذرية في مسيرة المنطقة ككل.
لا يبدو من خلال الحديث ان محمد بن سلمان مفاوضا سهلا فهو يستثمر جيداً معرفته بأن العالم على مفترق طرق تاريخي يتزحزح فيه ميزان القوى العالمي من قوة سيطرت طويلاً الى قوة صاعدة وبقوة، وهو يعلم أهمية السعودية في هذا التحول، كذلك يعلم المأزق الذي تمر فيه الولايات المتحدة كقوة مستقرة تنازعها هذه القوى الصاعدة وأدركت في الوقت الضائع انها بحاجة الى الحلفاء مهما كانت الخلافات، كما يعلم جيداً المأزق الذي يمر به الرئيس بايدن في عام الانتخابات في مواجهة خصم عنيد مثل دونالد ترامب، وهو واثق أن بايدن المحتاج يمكن انتزاع التنازلات منه على عكس القادم المنتصر والذي سيكون مستغنياً عن الجميع لأنه لن يترشح ويفوز كسياسي بل كنبي للأميركان المتشددين، لذلك انتزاع تنازلات منه سيكون أمراً مستحيلا، لهذا يحاول استثمار هذه اللحظة الحاسمة، لذلك كانت مطالبه واضحة جدا للوصول إلى اتفاق مع إسرائيل تحت بند السعودية اولاً، وأهمها تغيير موقف الولايات المتحدة من السعودية ومن الأمير محمد بن سلمان وهو مطلب رئيسي، وهذا ما حصل في مصافحة قمة العشرين الحارة جداً بعد مصافحة القبضة اثناء زيارة بايدن للسعودية، المطلب الثاني هو اتفاقية دفاع مشترك وتوريد اسلحة متطورة للسعودية وهذه وإن اعاقتها الإجراءات البيروقراطية لكنها ليست مستحيلة، يبقى البرنامج النووي السعودي السلمي كامل الدورة والذي يضمن نقل التكنولوجيا للمملكة واحد من أهم المطالب، وكل هذه تعتبر ضمانات إستراتيجية لسعودية آمنة في المستقبل.
رغم أن السعودية تدرك صعوبة مطالبها ان لم تكن استحالة بعضها، لكنها واثقة أكثر حاجة الولايات المتحدة وبايدن ونتنياهو لها في هذا الظرف التاريخي لذلك تطرح أوراقها بقوة، اما بالنسبة للتطبيع وتنفيذ مطلب السعودية بتحقيق ما يريده الفلسطينيون وهم لا يريدون أقل من وطن على حدود الرابع من حزيران، فهذا أمر لا يبدو هينا بوجود أحزاب ترفض مجرد وقف الاستيطان في الضفة بل يرفضون التخلي عن تسمية يهودا والسامرة والمعلومات تشير إلى أن ايتمار بن غفير رئيس حزب عوتيسما يهوديت، وبتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الصهاينة المتدينين و 11 عضو كنيست بقيادة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن يولي ادلشتاين هؤلاء ارسلوا رسالة إلى نتنياهو أنهم لن يدعموا إلا سلاما لأجل السلام مع السعودية وأنهم لن يقبلوا بأي حل يتضمن دولة فلسطينية، حتى فكرة الضم لن يتخلوا عنها، علماً بأن اتفاقات ابراهام تضمنت إيقاف عمليات ضم الضفة وهو الأمر الذي بات صعبا الآن، والسؤال هل تقبل السعودية بحل دون الدولة الفلسطينية، بدون شك ان هذا ان حصل سيضع المملكة السعودية في موقف حرج أمام العالم الإسلامي والعربي حيث هي قائدة في هذين الفضائين والجميع يعول عليها وعلى ثقلها وهي التي وضعت ثمناً واضحاً للتطبيع مع إسرائيل لا يقل عما تضمنته المبادرة العربية التي اطلقتها في بيروت عام 2002.
مع ذلك فإن الكثيرين من السياسيين العارفين بالشأن الأميركي والإسرائيلي على قناعة تامة بأن الساسة الأميركان والإسرائيليين لن يقدموا ابداً تنازلات استراتيجية لأجل أهداف تكتيكية مرحلية، لأنهم لن يتحملوا وزر هذا التنازل التاريخي الذي سيضعهم في مواجهة الرأي العام الذي أوصلهم إلى هذا الموقع، وهذه تعتبر عقبة حقيقية في وجه التقارب السعودي الإسرائيلي إذا قررت السعودية التمسك بمطالبها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكننا بدون شك أمام مقايضة تاريخية تفتح بموجبها السعودية أبواب العالم الإسلامي والعربي لإسرائيل في مقابل ضمان أمن واستقرار المملكة العربية السعودية في مواجهة التحدي الإيراني، فأيهما سينجح ؟ بدون شك من يستطيع استخدام أوراقه بشكل مؤثر وفعال.